مدونه الشاعر احمد دردير احمد

مدونه الشاعر احمد دردير احمد
الشاعر احمد دردير احمد

الاثنين، 8 أكتوبر 2012

الجزء الثانى من اكتوبر سيمفونية العشق والموت





وكان الجميع يسعى للشهادة او النصر ..  وكانت مهمة قوات الدفاع الجوى فى بداية المعركة هى حماية القوات اثناء عبورها الى الضفة الشرقية كما انهم اشتبكوا مع العدو فى اكثر من معركة واسقطوا العديد من طائرات العدو وكانت مهمة الشرطة العسكرية حماية الجيش الثالث أثناء عبوره للضفة الشرقية وتأمين المعابر والكبارى حتى لا يدخل اى اسرائيلى وكان الجميع على درجة عالية من الكفاءة والقدرة على الحفاظ على النصر حيث تم إعداد الجيش إعدادا بدنيا ومعنويا وتدريبات مكنته من أداء واجبه على الوجه الأكمل وكذلك كان إعداد الخطط العسكرية والقتالية إعدادا سليما بحيث تماشى مع قدرات كل فرد والاستغلال الامثل لطاقته وإمكانياته وكذلك تجهيز المعدات القتالية واستخدام أقصى قدرات لهذه المعدات وذلك كله جعل الانطلاقة الكبرى للجيش المصرى ممكنه وقد حدث وحقق فيها النصر العظيم الذى جاء من عند الله ولولا إيمان المقاتل المصرى بأن جهاده جهاد مقدس وان الأرض التى يحررها هى ارض الإسلام والسلام وسوف يلتحق به العار طوال حياته إن تقاعس دقيقة واحده فى الدفاع عنها وتحريرها من أيد المغتصب الغادر لما تحررت سيناء الى وقتنا هذا..وكان الجيش بأكمله فى حرب أكتوبر طاقة كبرى فجرتها كلمة الله اكبر ..كلمة واحده رددها الجيش بكل قواته "الله اكبر" وان لم يزق الجيش المصرى طعم الهزيمة فى 67 لما عرف للانتصار طعم ولا كان هذا الإصرار على الشهادة او على الانتصار وكانت كلمة الله اكبر تهز قلوب الجنود الاسرئيليين وتجعلهم يفرون مذعورين من كل اتجاه هربا من الجندى المصرى ....
.وجاء قائد محمد ليصحوا محمد من غفلته ويعود الى ارض الواقع مره أخرى حيث كانت الحرب مازالت دائرة ورحاها تطحن فى الجنود الاسرائيلين من كل اتجاه وبدا العمل فى اليوم الثانى للمعركة مبكرا حيث اجتازت القوات المصرية العديد من المواقع الإسرائيلية واستولت عليها كما أسرت العديد من الجنود فى تلك المواقع ..تقدمت القوات المصرية الى داخل ارض سيناء الحبيبة وتحركت فى كثير من المواقع التى تم استعادتها من العدو وخاصة المواقع الحيوية والتى مازالت موجودة حتى الآن داخل سيناء للذكرى ..
استمر القتال أربعة أيام حتى جاء يوم العاشر من أكتوبر الموافق الأربعاء والرابع عشر من شهر رمضان المعظم حيث تم الاستيلاء ليلا وفى معركة قتالية صامته على مركز قيادة العدو الحصين وعلى محطة ضخ المياه الرئيسية لمحور "متلا" وكان يوما 9,10 أكتوبر من أصعب المعارك على مستوى الجيش المصرى كله وهى أيام مشهودة وخالدة فى سجل إنجازات الجيش المصرى والجيوش العربية واذكر هنا ان قوات الصاعقة بمشاركة الفرقة 19 مشاة هم الذين قاموا بهجوم قوى وليلى على تلك المواقع التى ذكرت سلفا ..وكانت المعلومات التى لدينا عن الجيش الاسرائيلى تقول ان التدريبات التى يقوم بها العدو كانت تتركز على القتال الليلى والأعمال الهجومية فى الليل ..وكنا نرى هذا بأعيننا قبل الحرب وكانت حساباتنا ان عمليات العدو ستكون ليلية ..لكن المفاجأة ان العدو لم يقم بعملية واحده ليلية ..وقد قامت تلك القوة المشكلة من أفراد الصاعقة والمشاة بذلك فى يوم العاشر من أكتوبر عند تنفيذ هذه المهمة القتالية على محور "متلا"وقد ابلغ قائد القوة القيادة انه وصل ورجالة الى الخط المحدد له وفى اقل من نصف ساعة وصل اليهم مساعد  قائد الفرقة 19 وكان العميد على سعد إبراهيم للتأكد من وصول القوات لخط المهمة المحدد على الحد الامامى ..وعند وصوله الى القوات اعترف بأنهم تخطوا الخط المحدد لهم وتجاوزوه وكان ذلك إنجازا رائعا من وجهه نظرة وذلك حتى لاتحدت ثغره يمكن ان ينفذ منها العدو ويقوم بهجوم مضاد وان القوات أثناء تجاوزها الخط المحدد قامت بالاستيلاء على مركز قيادة العدو فى "متلا"..نعم لقد كانت معركة ناجحة بكل المقاييس العسكرية ..فلم يكن العدو يتصور ان القوات المصرية ستقوم بهجوم ليلى صامت ولم يكن يتوقع أيضا ..ان يصل الجنود المصريين الى مركز القيادة الإسرائيلية..
كانت فى حرب أكتوبر معارك عديدة وكثيرة ومتنوعة ..منها المعارك الجماعية ومنها المعارك الفردية ..واقصد هنا بالفردية ان فرد فى وسط مجموعة كان يقوم بعمل مجموعة كاملة وحده وهناك العديد من الأمثلة التى لاحصر لها سوف نذكرها فى حينها وبأسماء الجنود الذين سوف يخلد أسمائهم التاريخ على مر الزمان ...
كان محمد قد شارك القوات فى معركة محور "متلا" ليلا على العدو الغادر الصهيونى وكان هناك العديد من الأسرى من العدو رجالا ونساء..فأن جيش العدو كان يجند النساء للترفيه عن الجنود والتخفيف عنهم .
إننا نحمد الله على ان جنود مصر أقوياء بعزيمتهم الجبارة ومهارتهم المتعددة وتدريباتهم القاسية مما جعلهم إثناء الحرب رجال لا يخافون الموت ولا يعرفون للخوف طريق ..بل كانوا رجال شعارهم "اشهد ان لا الله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله والله اكبر " كان الشعار هو الشهادة ..و"الله اكبر" مفتاح النصر

الجيش الذى لا يقهر

كانت الخطة الإعلامية للموساد فى ذلك الوقت هى الترويج الاعلامى لمشاهد ولقطات من حرب 67 عبر وسائل الأعلام المرئية والمقروءة على مستوى العالم..وكانت قيادات الجيش الأسطورة تتباهى فى أحاديث تلفزيونية وصحفية وإذاعية بما حدث فى 67 للجبهات العربية الثلاثة حيث تغير الحال بعد حرب 67 وسيطرت إسرائيل على مساحات كبيرة على حدودها مع مصر وسوريا والأردن وأصبح لها عمق استراتيجي كانت فى السابق تفتقر اليه ..كما أنها بالاستيلاء على تلك المساحات الشاسعة من الاراضى العربية أبعدت خطوط المواجهة بينها وبين العرب عن المناطق السكانية والاقتصادية..وبالطبع أدى هذا كله الى عدم الاكتراث بمبدأ الضربة الأولى وبالتالى الى عدم الاهتمام والتيقظ لأهمية عنصر المفاجأة وكان هذا كله بفعل الانتصار الاسرائيلى والذى بعده مالت رؤوس القادة والصقور الإسرائيلية من نشوه الانتصار الساحق على الجبهات العربية الثلاثة..وظهرت بعدها حملاتهم الإعلامية المشبعة بالغرور ..قائلين انتهت كل الحروب وحسم الصراع العربى الاسرائيلى الى الأبد لصالح المنتصرين وقد ظهر موشى ديان فى ذلك الوقت على شاشات التليفزيون الاسرائيلى وهو يزهو بأنه قد حسم المعركة وأعلن فى التليفزيون والإذاعة عن رقم تليفونه ربما يحتاجه الزعماء العرب ..وسوف ينتظرهم ليتحدثوا اليه فى القريب العاجل ليعلنوا استسلامهم واعترافهم بدولة إسرائيل العظمى  ....
وكانت الأفراح ونشوى الانتصار فى ذلك الوقت تملاء إسرائيل وعبارات الانتصار والسخرية والغطرسة تتردد فى أرجاء إسرائيل وفى جميع شوارعها ....
وفى الجانب الأخر ..فقد بلغت القلوب الحناجر وسدت المرارة الحلوق وخيم اليأس على مشاعر وأحاسيس الشارع العربى فى سائر الأوطان ..يالها من أيام ....مريرة ...قاسية..عمياء..صماء...بكماء...تلك الأيام التى تلت حرب 67 ...
واعتقد قادة وصقور إسرائيل ان حرب 67 هى أخر الحروب بين العرب وإسرائيل ..
لكن دائما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن
هاهو الجيش المصرى يدخل مع إسرائيل فى حرب طويلة الأمد..حرب الاستنزاف ...
ودارت رحى الحرب من جديد على إسرائيل وكانت هناك خطة بعد الهزيمة فى 67 ..وهذه الخطة على ثلاث مراحل..وهم مرحلة الصمود ثم مرحلة الردع ثم مرحلة الاستنزاف..وعلى مدار الأيام والشهور قد حققت هذه المراحل الثلاث استنزاف قوة الجيش الاسرائيلى وعدم إتاحة الفرصة لقواته وأفراده للعيش فى أمان على الاراضى المحتلة ..كما كانت تلك المراحل الثلاث تدريبا واقعيا وميدانيا على القتال للجبهة المصرية والجنود المصريين..
كانت معارك رأس العش هى البداية لمرحلة جديدة شهدت فيها الجبهة إحداثا كثيرة ففى 14 يوليو 67 انطلقت الطائرات الباقية من القوات الجوية المصرية لتقصف قوات العدو المدرعة فى عمق سيناء ودارات معارك جوية ضارية ..أذهلت العدو الاسرائيلى وكانوا فى ذعر وهلع من الجندى الى القائد وسجلت وكالات الإنباء ذعر الجنود والضباط الاسرائيلين فى ذلك الوقت ..
وكذلك سجلت البحرية المصرية فى يوم 21اكتوبر 1967 حدثا فريدا من نوعه بإغراق المدمرة ايلات والتى هز إغراقها القيادات الإسرائيلية وأصابهم بالهلع والوجوم والذهول ..
وبعد ذلك بدأت مرحلة جديدة وهى مرحلة الردع حيث بدأت القوات المصرية فى العبور والقيام بأعمال كثيرة تدمر فيها للعدو بعضا من قطعة العسكرية وتأسر عددا من أفراد قواته واستمرت تلك العمليات حتى مارس 1969 حيث بدأت مرحلة الاستنزاف حيث تقوم المدفعية المصرية بطول خط الجبهة بقصف العدو وتحطيم أكثر من 70%من تحصينات وقلاع خط برليف..
كانت حالة "اللاحرب واللاسلم " و"الحرب شبه المنظمة"لها دلالتها وسط ظروف متشابكة ومعقدة فى فترات تباينت فيها الأحداث وكانت أيام وساعات صعبة على الجميع قادة ومقاتلين ...
تأتى بعد ذلك مرحلة هامه وهى الإعداد لمعركة فاصلة لتحرير الأرض وما تبعه من تدريب شاق على المعدات الحديثة وعبور خط برليف المنيع ...
ولم تكن قناة السويس وخط برليف مانع حصين فحسب..لكنهما كانا مانعا فريدا ليس له مثيل فى العالم بأسره..والتاريخ العسكرى لم يشهد مانعا مثله ذات يوم ..
وقد قيل قبل حرب أكتوبر على لسان احد القادة الاسرائيلين ان خط برليف سيكون مقبرة للجيش المصرى اذا حاول العبور ...
لكن قدرة الله وأرادته فوق كل شئ وقبل كل شئ ..ومن بعدها التخطيط السليم والبارع والتدريب الشاق والجاد والروح المعنوية المرتفعة والمتمسكة بالأيمان لدى المقاتل المصرى وإصراره على ان يعيد لمصر وقواتها العسكرية كرامتها وعزتها واعتبارها ..كان وراء اقتحام خط برليف وتحويله الى مقبرة للجيش الاسرائيلى ...
وقد وضعت خطة العبور بحيث يعبر المقاتلون القناة وسط سد من اللهب والنيران ليصلوا الى الضفة الشرقية بسلاحهم وعتادهم ويتسلقون الساتر الترابى ويقتحمون تحصينات العدو وقلاعه ويقومون بتدميرها ثم يصدون ضربات العدو المدرعة وقصفات طيرانه ثم رفع علم مصر فوق قلاع العدو الحصينة وكان عليهم أيضا ان يتقدموا وفقا للخطة الموضوعة والتى تم التدريب عليها والإعداد لها ...
ولم تكن عملية فتح الممرات بالساتر الترابى لإقامة الكبارى لعبور الدبابات والأسلحة الثقيلة عملية سهلة ويسيرة..
وكانت فكرة خراطيم المياه التى ابتكرها الرائد المهندس احمد مأمون وطورها الى مدافع المياه الشهيد اللواء مهندس جلال سرى وتم تجربتها عشرات المرات على نماذج مشابهة للساتر الترابى وقد استطاعت مدافع المياه ان تفتح 87 ممرا فى الساتر الترابى خلال خمس ساعات وكانت ضربات المدفعية وأسلحة الرمى الأخرى بالغة الدقة والعنف لتنفيذ أقوى واعنف وأشرس تمهيد نيرانى شهدته الحروب الحديثة والقديمة على مر التاريخ ...
لقد كان كل شئ فى المعركة معدا إعدادا دقيقا وبمنتهى الثقة والفكر العسكرى المتطور وكانت الجدية والأيمان هما الطابع الرئيسى الذى يسود بين الجميع خلال المراحل المختلفة من القتال وكان الدافع وراء ذلك كبيرا عند القادة والمقاتلين وهو الأخذ بالثأر واستعادة الكرامة المسلوبة وإعادة الاعتبار للعسكرية المصرية وكان كل ذلك دافعا قويا لمضاعفة الجهد للانتقام ..
.كان تحدى أسطورة الجيش الذى لا يقهر وهو الجيش الاسرائيلى ..واحد من أهم أهدافنا ..وكان وجود خط برليف أمامنا يمثل أكثر التحديات التى واجهناها رغم كل الدعاية الإعلامية التى أحاط بها العدو نفسه

.............................
سقوط النقطة 149
تم حصار النقطة 149 من قبل القوات المصرية لمده 48 ساعة ومهاجمتها بكتيبتين من المشاة وكتيبة مدرعة وكانت هذه النقطة من أقوى النقاط الحصينة وأخطرها على طول خط برليف ...
لقد قامت القوات بمهاجمتها على فترات متتالية لكنها لم تسقط ..
وهنا لابد ان اذكر للتاريخ ان الاستيلاء على النقاط القوية للعدو لم يكن بالأمر السهل ولقد استلزم أعمالا من نوع خاص ..استلزم أعمالا بطولية وقتالا شرسا ومقاتلين من نوع خاص جدا ..ولقد حاول العدو ان يتمسك بتلك النقطة الحصينة لأهميتها ودافع عنها بشراسة لكنه أمام الإرادة المصرية والعزيمة والإصرار لم يستطيع التمسك بها طويلا حيث حدث الاتى..
لقد تطوع احد المقاتلين ويدعى محمد زرد لمهاجمة هذه النقطة الحصينة وتطوع معه عشرة مقاتلين ليشكلوا مجموعة تقوم بتنفيذ المهمة الصعبة وهى مهاجمة القوة المسيطرة على النقطة من الداخل ...
وتمت الموافقة على الخطة وتقدمت المجموعة متسللة من خلال حقول الألغام والأسلاك الشائكة وعندما وصلوا الى قمة النقطة بدأت القوة المعادية إطلاق النيران عليهم وأصابوا المقاتل محمد زرد بدفعة كاملة من النيران ..أصابته إصابة بالغة أخرجت أحشائه من بطنه ..لكن هذا البطل الشهيد لم يستسلم للموت وأبا ألا يكمل مهمته ..حمل أحشائه بين يديه واقتحم مع رجالة النقطة الحصينة ..واستمر بالمعركة مع رجالة وهو جريح ينزف حتى سقط الحصن واستسلم من فيه وسقط محمد على ارض الحصن شهيدا بعد ان دخلت القوات المصرية الى الحصن ..رحم الله هذا الشهيد البطل واسكنه فسيح جناته فقد كان رحمه الله بطلا من نوع فريد ومثالا يحتذى به فى الفداء والتضحية وأداء الواجب ...وما حدث فى تلك النقطة حدث فى نقاط أخرى على مدار المعركة حتى تمكنت القوات المصرية من الاستيلاء على النقاط الحصينة بالشط وحوض الدرس وتلاها العديد من الانتصارات على العدو والاستيلاء على مواقع أخرى كثيرة منها عيون موسى وجبل المر ومتلا حيث بدأ العدو الصهيونى استعادة توازنه بعد الضربة الأولى وقام بالتصدى لقواتنا بمجموعة كبيرة من الدبابات ودارت معارك كبيرة وضارية بينه وبيننا وكانت دبابات العدو مزودة بالصواريخ المضادة للدبابات وعلى الرغم من ضربات العدو المتتالية بمختلف الأسلحة المضادة للدبابات وطائرات الهليكوبتر والمدفعية استطعنا بعون من الله سبحانه وتعالى تحقيق النصر الفريد من نوعه على مر التاريخ ....

المقاتلين المثقفين
........................
كان الجنود الذين اشتركوا فى حرب أكتوبر عام 1973 مقاتلين مثقفين ومتعلمين ..منهم الجامعيين ومنهم حملة المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة ..لكن جميع المقاتلين كانوا مثقفين ..عكس ماحدث فى حرب 67 حيث كانت المسألة مختلفة..لقد كانت حرب العبور أكتوبر 73 حرب مختلفة فى كل شئ فلقد كانت معركة حقيقية بكل المقاييس العسكرية والعلمية ...
لقد كانت أسطورة الجيش الذى لا يقهر أسطورة قائمة وفعاله وكذلك أسطورة طيرانه الذى لا يقهر أيضا وغيرها من المقولات الإسرائيلية التى كانت تتردد فى وسائل الإعلام الغربى المختلفة فى ذلك الوقت ...لكن...هيهات أيها الجيش الذى      لا يقهر..ان الإرادة والعزيمة والروح المعنوية العالية والثقافة العسكرية والخططية المتنوعة أظهرت للعالم كل كذب وخداع إسرائيل وجيشها الذى لا يقهر وطائراته التى لا تقهر وجنوده الأقوياء والذين تم تصويرهم على أنهم وحوش      لا يرحمون ...
كانت الطلعة الجوية الأولى للطائرات المصرية التى حلقت فوق رؤوس القوات المصرية فى وقت واحد سبب رئيسى من أسباب الانتصار ..
كانت السماء مغطاة بالطائرات المصرية فى الطلعة الأولى للنسور وعلى ارتفاعات منخفضة فوق الرؤوس وفى تلك اللحظة وصلت معنويات الجيش المصرى الى عنان السماء ولدرجة لا يتخيلها بشر ..حتى ان القادة والجنود لم ينتظروا الانتهاء من التمهيد النيرانى للمدفعية وقاموا ببدء العبور فى قوة وحماس وصمود ...
.المشاعر والأحاسيس التى انتابتني فى لحظات ماقبل العبور لايمكن ان توصف او ان تمحى من الوجدان ..
فعندما صدرت الأوامر صباح يوم المعركة وتم تسليمنا الإعلام التى سوف ترفع على المواقع التى يتم الاستيلاء عليها الاراضى التى ستعود الى أحضان مصرنا الغالية.بكيت أنا وزملائى من الكتيبة التى كنت بها ..وإذا بصوت المساعد عطية ينادينى لمقابلة قائد الوحدة ..وعندما ذهبت اليه واعطانى الأوامر ذهبت بها الى الرجال وأطلعتهم عليها فبكى الجميع وأنا اتلوا عليهم الأوامر الخاصة بالعمليات العسكرية ..لقد كنا جميعا نريد ان نثبت وجودنا ونتخلص من الاتهام الذى لصق بنا ..وامسك الجنود الإعلام مهللين فرحين ويحوطهم الأمل فى رفع الإعلام على الجبهة الشرقية ..أنها لحظات لن تمحى من الذاكرة ولن يمحوها التاريخ ..

كان أساس الخطة هو التمويه والخداع ثم مفاجأة العدو..
كانت التحركات لوحدات الجيش المصرى تتم فى سرية تامة وكان يلزم هذه التحركات ليالى طويلة قبل عملية العبور..كما ان تحريك القوات المختلفة لايتم فى ان واحد ولكن هناك أنظمة مختلفة لتحريك قوات المشاة وكذلك قوات المدفعية والدبابات وتحريكها الى مواقعها المحددة فى توقيتات محددة..وكان كل شئ يسير بهدوء وروية وبشكل طبيعى  جدا ..هناك تحركات كثيرة ولكن العدو اعتبرها تدريبات كالعادة التى عودناه عليها فى السنوات السابقة للحرب كما كانت تلك التحركات لا تدعوا للقلق او الذعر من وجهة نظر العدو ولكن كل هذا مجرد تدريب عادى وروتينى تعود عليه العدو فى كثير من الأوقات ..وقد نجحت خطة التمويه والخداع فى هذا كله لاننا كنا نريد ان يظن الاسرائيلين ان ما يحدث مجرد تدريب عادى لا خطورة منه وقد نجحنا فى تضليل العدو بذلك ...
وحسب التقارير الإسرائيلية لخط برليف فقد كان طوله 170 كيلو  مترا وبعمق يتراوح من 10 الى 12 كيلو وكان به 36 حصنا و 15 برجا للمراقبة وكان يضم 206 ملاجئ كبيرةو462حصنا للأسلحة المختلفة والدبابات ولم يشهد اى مكان او حصن فى التاريخ ما شهدته حصون خط برليف من تلغيم مكثف حيث أحاط بكل نقطة حصينة 73 نطاقا من الألغام والأسلاك الشائكة وان جميع القلاع الحصينة بداخل خط برليف قد تم تجهيزها من الداخل بكل وسائل الراحة والرفاهية للجنود والضباط على حد سواء .. فقد كانت مكيفه ومجهزة بمواسير المياه النقية وأجهزة تبريد المياه وآلات عرض سينمائي فى قاعات مكيفه وأجهزة اتصالات متطورة وتليفونات عامة ومكتبات ومخازن للتموين وأسره من طابقين للجنود وتجهيزات رياضية كاملة ..كما كانت تلك الحصون مزوده بقوة نيران كبيرة لصد اى هجوم وتم إضافة القضبان الحديدية والتى تستعمل للسكك الحديدية الى طبقة جديدة من الحجارة ليكون الخط أقوى وأقوى مما يكون .كما كانت تفتح غرف الجنود اتوماتيكيا بواسطة الجنود أنفسهم وكان الحصن الواحد قد أقيم على مساحة تصل الى خمسة آلاف متر مربع ومعظم الحصون لها مدخل واحد بأتساع أربعة أمتار ونصف المتر لدخول السيارات والدبابات منه بحيث لايمكن لأحد ان يدخل الحصن الا إذا كان قادما من ناحية الشرق ومن اتجاه القوات الإسرائيلية ووضع نظام دقيق لاغلاق الأبواب ..فيتم إغلاقها بحبل من الألغام المضادة للأفراد والدبابات ويتكون كل حصن من أربع دشم بارتفاع ثلاث طوابق طابقين منها تحت الأرض والثالث فوق الأرض وتوجد به المزاغل وهى فتحات تظهر منها فوهات بأختلاف أنواعها وقد صنعت تلك الدشم من الصخور والرمال وكميات كبيرة من الاسمنت والحديد الى قضبان السكك الحديدية التى صنعت منها الأسقف لتلك الدشم وهناك أيضا شبكة الفولاذ التى تضمنها كل طوابق الدشم وأبواب الغرف حتى لا تتأثر بقذائف المدفعية ولقد صممت النقاط الحصينة بخط برليف بحيث تحقق الدفاع الدائرى وفى كل منها مجموعة مختلفة من الأسلحة الفتاكة مثل المدافع ذاتية الحركة والرشاشات والهاونات وقد ضمت نوعا جديدا من الرشاشات التى تعمل ذاتيا بمجرد إحساس أجهزة الاستشعار الالكترونية بحرارة اى إنسان يقترب من الحصون كما ضمت صواريخ ارض ارض ورشاشات مضادة للطائرات والمئات من الدبابات خارج الدشم ..وكان كل ذلك لاستمرار وترسيخ الوجود الاسرائيلى  وحماية الجنود من تأثير نيران المدفعية المصرية ان وجد ...
كان كل ذلك تصور الاسرائيلين حين أقاموا خط برليف المنيع الخط الذى يحميهم مدى الحياة من حرب يمكن ان يقوم بها المصريون ..وتصوروا ان المصريين عاجزين تماما عن استرداد الأرض التى بحوزة إسرائيل لاستحالة عبورهم هذا الخط المنيع وقناة السويس وذلك لان الخط مزود بفتحات لتصب النابلم فى المياه وتحولها الى جحيم بالماء ..وللنابلم معنا قصة سوف نرويها فى حينها على الصفحات القادمة ..
...........................
مابعد العبور
...............
.نعم..لقد كان العبور عظيما . كان مذهلا لكل أنحاء العالم . كان مدويا وهز جميع الأوساط العسكرية على مستوى العالم .
.كان العبور الذى تحقق وتم على مراحل متعددة له فاعلياته حيث بدأت مراحله الأولى بعد ضربة الطيران المصرى لتدمير النقاط الهامة فى الأعماق .
وفى أعقابها قصفت المدفعية المصرية أهدافها وأثناء ضرب المدفعية تقدمت القوات المصرية من جنود المشاة لتسابق الزمن من شده حماسهم ليعبروا القناة للوصول الى المناطق التى تم تحديدها .
كان الجنود يتسابقون ليقوموا بوضع علم مصر على خط برليف بالضفة الشرقية للقناة وكان اول علم مصرى وضع على الضفة الشرقية للقناة بيد بطل مصرى من أبطال أكتوبر المجيد وهو البطل محمد العباسى الذى قتل بيده أكثر من ثلاثون جنديا إسرائيليا وكان ذلك فى تمام الساعة الثانية والنصف بعد الظهر من اليوم الأول للحرب .
لقد حقق الجيش المصرى إنجازات عظيمة وهامة وحيوية فى الأيام الأولى للحرب .
نعم.تم الاستيلاء على مراكز القيادات وحصلنا على وثائق حربية هامة وأجهزة متطورة ومعدات قتالية وخرائط عمليات وقد كان عدد الأسرى الاسرائيلين 114 أسير خلال أيام الحرب .كما تم الاستيلاء على أعداد كبيرة من الدبابات ومواقع مدفعية ميدانية ثم عدد كبير من المدافع ذاتية الحركة وأعداد كثيرة من الأسلحة الخفيفة كما تم إسقاط أكثر من 35 طائرة متنوعة من طائرات العدو ...
بسم الله الرحمن الرحيم
"لا يقاتلونكم جميعا الا فى قرى محصنه او من وراء جدر"
صدق الله العظيم .
صدق الله حين قال ذلك عن بنى إسرائيل وذلك لأننا شهدنا ذلك بأعيننا حين تم تطوير الهجوم يوم 9 أكتوبر حيث قامت القوات الأسرئيلية بإقامة خط دفاع منيع ضد الدبابات المصرية وكان مكون من صواريخ مركبة على طائرات هليكوبتر خلف جبل المر .
وأثناء تقدم القوات المصرية ظهرت الطائرات فجأة من خلف السواتر الجبلية لتطلق الصواريخ المضادة للدبابات وتختفى مسرعة خلف الجبل .وهذا الأسلوب رأينا فيه آيات الله سبحانه وتعالى خلال الحرب وذلك لأنهم لا يوجد لديهم رجال يجرئون على حمل الصواريخ ويقفون بها على الأرض وحدثت خسائر فى ذلك اليوم فى صفوفنا ولكن بعزيمة الرجال تم احتلال جبل المر وفقدت القوات الأسرئيلية تلك السواتر التى كانت تحميها من قذائف المصريين .    يتبع....................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق